سناء تلك الفتاة الجميلة الباذخة البهاء ، عاشت كم تعيش العصافير البريئة في قناديل السعادة والنقاء، كانت بالأمس القريب طفلة صغيرة ترتسم على محياها الناضر أحلام الطفولة بشقاوتها وأفراحها وأسرارها وطلاسمها ،وكان الكل يتودد لها ويضفي على وجنتيها الكثير من القبل وهي تضحك في براءة نقية ودلال
مرت الأعوام والسنون وكبرت سناء وجمالها الساحر يزداد تألقا وبهاء والنساء ينظرن لها بإعجاب وإجلال ،لم تكن سناء متميزة بجمالها فقط بل كانت عاقلة رزينة ذات خجل وحياء شديدوكانت شديدة الحب لأبويها تبرهما أشد البر
بلغت سناء عشرين عاما من عمرها وهناك بدأ الشباب يتوافدون على بيتها زرافات ووحدانا وكل شاب يتطلع في شوق شديد أن يحظى بها زوجة له ، كانت تشعر سناء بسعادة عظيمة وهي ترى المستقبل الجميل يرنو لها بعين السعد والحبور ويبتسم لها ابتسامة الزهرة الندية لندى الصباح البهيج ، لم يكن يكدر على سناء صفو عيشها إلا تلك الديون التي أثقلت كاهل والدها الحبيب ، كانت تتمنى وظيفة تستطيع من خلالها أن تقف إلى جانبه في محنته وهي تراه يتأوه من غدر الزمان وتقلباته لكن حلمها لا يزال بعيدا
في تلك الأثناء طرق بابها شيخ في السبعين من عمره له أموال طائلة وجاه عريض وقد حفر الزمان بوجهه أخاديدا وثقوبا رغم محاولاته التحايل عليها بصبغ شعره وشاربه وحلق لحيته وشد وجهه لكن هيهات هيهات فتضاريس الزمان وصروفه غول يلتهم نضارة الشباب وليونته
لم يتردد ذلك العجوز في طلبه لسناء حليلة له بعد أن سمع بجمالها ودلالها ولم يبال بفارق السن والتعليم والثقافة بل يريد اقتناؤها كأي قطعة ثمينة في قصره العامر كأنه لم يسمع قول الشاعر(الا إن سفاه الشيب لاحلم بعده) وهو يظن أنه بماله يستطيع شراء حتى الأرواح المتوارية في أجسادها ولم يدرك هذا المغرور المتغطرس أن الأدواء والأسقام تتربص بكل عضو وعرق وأن زمان شهواته ونزواته ولى ولن يعود مرة أخرى مهما تصابى وتمارى
لقد قدم لأبيها شيكا مفتوحا يستطيع أن يضع الرقم الذي يراه مناسبا لقيمة ابنته وفي سذاجة وغباء قال ماذا لو وضعت مليونا هل توافق عليه، ضحك العجوز بسخرية وازدراء وهو ينظر له من طرف خفي وأبدى موافقته وذلك الأب الأحمق لايعلم أن ناقة من نياقه تعادل قيمتها عشرة أضعاف مهر ابنته
سال لعاب الأب وداعبته أحلام الثراء ولم ينظر لفارق السن الكبير إذ يرى المال كفيلا بتقليص هذه الفوارق
صرخت سناء وهي ترتمي بحضن والدتها الحبيبة وأصيبت بهزة نفسية كبيرة وحاولت الأم اقناع والدها بالعدول رحمة بهذه الزهرة الندية بعد أن هزل جسمها ونقص وزنها وذبل جمالها بيد أن الأب أصر على موقفه ولم يرعوي عن غيه رغم المحاولات المستميتة من أقاربها لثنيه عن قراره
وفي ليلة العرس بدا هذا العجوز منتشيا مغترا بوجاهته وصيته وزفت إليه سناء جسدا ثاويا خلا من روح الشباب ورونقه وعندما رأته رأي العين صرخت بأعلى صوتها وأغمي عيها وباتت في حالة نفسية متردية لاتنطق إلا بصعوبة ومعاناة
كان لذلك العجوز صديقا يمتهن الطب الشعبي (الكي) فأعرض على زوجها وأبيها معالجتها وادعى أن لديه خبرة طويلة في هذا المجال تمكنه من إخراجها من هذه الصدمة العصبية لاسيما وأنه عالج حالات تشبه حالتها كما يدعي
طلب من أبيها وزوجها شد وثاقها وأخرج مسمارا طويلا ووضعه على النار حتى صار أحمرا ثم قام بوضعه على رأسها وهي تصرخ من شدة الألم ولم يتمكن ذلك الطبيب من السيطرة على المسمار فاخترق دماغها وأخذت تتشنج بقوة وعنف وماهي إلا دقائق معدودات حتى صعدت روحها الطاهرة إلى بارئها ولسان حالها يقول(وإذا المؤودة سئلت،بأي ذنب قتلت)